السبت، 27 أكتوبر 2018

وضوح الأهداف



اذا أردت لدعوتك أن تكون قوية مؤثرة تجمع عليها الناس، يؤيدونها ويناصرونها، فعليك أن تـكـون واضـحـاً في عـرضـهـا، واضـحاً في عرض أهدافها، اذكر الحقيقة التي تؤمن بها ناصعةً وبصورة حاسمة، أما الغمغمة واتباع الطرق الملتوية ، فهذا سيبعد الطريق ولا يؤدي إلى الـغـرض المـطـلـوب، ومـعـنـى هـذا أن أفـراد الدعوة أنفسهم يجب أن يكونوا متشبعين بـفـهـمـهـا، وفـهـم أهـدافها ووسائلها، وإذا لم يكونوا كذلك فهناك التشويش والخلط بين المراحل الأولى والمراحل الأخيرة، الذي يؤدي إلى التعثر والتخبط.
لقد كانت الأهداف المرحلية واضحة تماماً في السيرة النبوية، كان دعاؤه -صلى الله عليه وسلم- مركزاً وواضحاً في البداية، دعوة الناس جميعاً إلى عبادة الله وحده ، وترك كل ما يعبد من دون الله من أصنام وطواغيت وأهواء وشهوات ، ثم انتقل إلى مرحلة البحث عن مكان آمن للدعوة وأهلها، وأن تكون منطلقاً للتمكين في الأرض.
فيسر الله له أهل يثرب، ودخلوا في دين الله وانتقلت الدعوة إلى الدولة، ثم انتقلت الدولة من مرحلة الجهاد الدفاعي إلى مرحلة الجهاد ، حتى يكون الدين كله لله.
إن هذا الوضوح والإصرار عليه جعل بعض العرب يعجبون بالدعوة وصاحبها، فإن الإصرار على الحق والدفاع عنه لا بد أن يوقظ الناس، وسيقولون لو لم يكن هذا الشيء حقاً لما دافع عنه الناس بهذه التضحية..
وهذا الإصرار يتلوه النجاح ، وهذا أيضاً من أسباب إقبال الناس عليه ، فإن الدعوة الحق لا بـد أن تـنـجـح ولو في بـعـض المراحل أو بعض الأحيان ((واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ)) ، أما فشلها مرة بعد مرة، فهذا دليل على أن أفرادها لم يميزوا من المقصد والوسيلة، فيتسرعون حيث البطء أو يبطئون حيث يجب الاندفاع.
وفي هـذا الـعـصـر وجـد زعـماء من غير المسلمين وضعوا أهدافاً واضحة، واستخدموا وسائل واضحة، وقد وصلوا إلى كثير مما كانوا يؤملون ، يقول أحد هؤلاء الزعماء:
»لا يـمـكـن لـحـزب سـيـاسي أن يبقى على المسرح ويحقق النجاح إلا إذا كانت لديه أفكار ومعتقدات صلبة وخطة عمل  واضحة« ونحن نقول أيضاً لا بد للعمل الإسلامي من خطة عمل واضحة.

الأربعاء، 24 أكتوبر 2018

المظلوم لا يبني ولا ينتج



قد يعجب بعض الذين لا تـسـرهم الحال التي تعيشها الأمة الإسلامية وغيرها من الشعوب الفقيرة .. يعجبون من الكسل والـشـلــل الـذي يبدو أنه يلف هذه الشعوب ، كيف أنها لا تفكر في معالي الأمور ، وتغرق في المعيشة يوماً يوماً ، ولا يظهر عليها قلق مما يجري حولها من تكتلات اقتصادية، ولا يستثيرها هذا التباري المسعور الذي يحس ويلمس عند الشعوب المتقدمة.
وينسى هؤلاء الذين تؤلـمـهـم هـــذه الـحــال الخاملة ؛ وهذه الحياة التى تبدو مجردة من الأهداف- ماخلا الحاجات الدنيا التي تحـفــظ الـنــوع والنفوس - ينسون حقيقة وبدهية بسيطة واضحة للعيان أن الذي يجرد الإنسان فرداً أو جمـاعــــة - من الأهداف العليا هو الظلم.
فالظلم هو الذي يسحق بشرية البشر ، ويقصر تفكيرهم على الحـــد الأدنــى مـن العيش ، ويجعلهم يرضون بالدون من الحياة ، ويلفتهم لفتاً عن مجرد التفكير في التعمير والتثمير ، وهو الذي يقنعهم بالقول :
لِدُوا للموت وابنوا للخرابِ !
وهذا الداء الوبيل داء الظلم هو الوباء الذي ضرب المسلمين وأقام بينهم لا يريم (1) ، ومع أن شعوباً كثيرة استطاعت أن تضع حداً له ، وتعيش في منجاة من نكايته ، وتحـد مــــن انتشاره ؛ لكننا - مع الأسف - نتقلب في ناره ، ونعاني ما نعاني من شدة ثباته في أرضنا واستقراره .
هذه الجموع العريضة تتذوق شتى أنواع الظلم ، فهم بين مظلوم في ماله ، ومظلوم في دينه ، ومظلوم في حريته ، ومظلوم في حقوقه الأدبية والشخصية ، كل منهم جثم عليه من الظلم - نوع أو أكثر - ما يجعله دائم التفكير في ظالمه ، زاهداً في إنجاز أي شيء سوى الانتصاف لنفسه إن استطاع ، مشلول التفكير والإرادة إلا عن التقلب على جمر الغيظ وحب الانتقام.
ولأمر ما عنون ابن خلدون فصلاً مهماً من مقدمته بالقول : (الظلم مؤذِن بخراب العمران) ولأمر ما اختار كلمة (مؤذن) حتى يجعلك لا تغتر إذا رأيت قصراً منيفاً يتربع فيه ظالم بين الأضواء والرياش ، أو سلطة يتحكم بها متجبر عاتٍ يأمر فيُطاع ، فها هو ذا الظلم ينعق في جنباتها ، مؤذناً بدك بنيانها من القواعد  .
الهوامش :
1 - لا يتحرك ولا ينتقل .

المَلَل من كَواذب الأخلاق

جاء في "صحيح ابن حبان" عن عـائـشـة -رضي الله عنها- تصف خلقاً من أخلاق الرسول -صلى الله عليه وسلم-   قالت :"كــان عـمـلـه...