قد يعجب بعض الذين لا تـسـرهم الحال التي تعيشها الأمة الإسلامية وغيرها
من الشعوب الفقيرة .. يعجبون من الكسل والـشـلــل الـذي يبدو أنه يلف هذه الشعوب ،
كيف أنها لا تفكر في معالي الأمور ، وتغرق في المعيشة يوماً يوماً ، ولا يظهر عليها
قلق مما يجري حولها من تكتلات اقتصادية، ولا يستثيرها هذا التباري المسعور الذي يحس
ويلمس عند الشعوب المتقدمة.
وينسى هؤلاء الذين تؤلـمـهـم هـــذه الـحــال الخاملة ؛ وهذه الحياة التى
تبدو مجردة من الأهداف- ماخلا الحاجات الدنيا التي تحـفــظ الـنــوع والنفوس - ينسون
حقيقة وبدهية بسيطة واضحة للعيان أن الذي يجرد الإنسان فرداً أو جمـاعــــة - من الأهداف
العليا هو الظلم.
فالظلم هو الذي يسحق بشرية البشر ، ويقصر تفكيرهم على الحـــد الأدنــى
مـن العيش ، ويجعلهم يرضون بالدون من الحياة ، ويلفتهم لفتاً عن مجرد التفكير في التعمير
والتثمير ، وهو الذي يقنعهم بالقول :
لِدُوا للموت وابنوا للخرابِ !
وهذا الداء الوبيل داء الظلم هو الوباء الذي ضرب المسلمين وأقام بينهم لا
يريم (1) ، ومع أن شعوباً كثيرة استطاعت أن تضع حداً له ، وتعيش في منجاة من نكايته
، وتحـد مــــن انتشاره ؛ لكننا - مع الأسف - نتقلب في ناره ، ونعاني ما نعاني من شدة
ثباته في أرضنا واستقراره .
هذه الجموع العريضة تتذوق شتى أنواع الظلم ، فهم بين مظلوم في ماله ، ومظلوم
في دينه ، ومظلوم في حريته ، ومظلوم في حقوقه الأدبية والشخصية ، كل منهم جثم عليه
من الظلم - نوع أو أكثر - ما يجعله دائم التفكير في ظالمه ، زاهداً في إنجاز أي شيء
سوى الانتصاف لنفسه إن استطاع ، مشلول التفكير والإرادة إلا عن التقلب على جمر الغيظ
وحب الانتقام.
ولأمر ما عنون ابن خلدون فصلاً مهماً من مقدمته بالقول : (الظلم مؤذِن بخراب
العمران) ولأمر ما اختار كلمة (مؤذن) حتى يجعلك لا تغتر إذا رأيت قصراً منيفاً يتربع
فيه ظالم بين الأضواء والرياش ، أو سلطة يتحكم بها متجبر عاتٍ يأمر فيُطاع ، فها هو
ذا الظلم ينعق في جنباتها ، مؤذناً بدك بنيانها من القواعد .
الهوامش :
1 - لا يتحرك ولا ينتقل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق