حال المصلحين
روى البخاري في قصة نزول الوحي على النبي -صلى الله
عليه وسلم- أن
ورقة بن نوفل لمّا أخبره رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- خبر ما رأى قال :
ليتني أكون حياً إذ يُخرجك قومك ، فقال رسول الله
: أومُخرجي هم ؟ قال : نعم ،
لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي .
عجيب أمر المصلحين .. يواجهون بكل أنواع الظلم والمحاربة
والاستهزاء ،
ومع ذلك فهم صابرون محتسبون .. !!
عجيب
أمر المصلحين ، يخرج المصلح منهم وحيداً فريداً يقف بمفرده أمام
الأمة بمجموعها لا يضره من خذله ولا من خالفه ، يتألب
عليه الخاصة وينفر منه
العامة ، يصفونه بأقذع الصفات ويتهمونه بأبشع الأخلاق
، ومع ذلك فهو رافع
الرأس ، عالي الهمة ، صادق العزيمة .. ! ينظر المصلح
إلى الناس من حوله فيجد
الانحراف والضلال والبعد عن شرع الله فيتحرك قلبه ،
ويهتز ضميره ، ويصبح ويمسي مفكراً في هموم الأمة وأحوالها ، يظل قلق النفس حائر اللب
، لا يهدأ باله
بنوم أو راحة ، ولا تسكن نفسه بطعام أو شراب .. وكيف
يقوى على ذلك أو
يرضى به وهو يرى أمته تسير إلى الهاوية ، وفصول الهزيمة
والاستكانة تتوالى
تباعاً .. !!
إنّ المصلح
صادق مع نفسه ، صادق مع الآخرين ، يجهر بالحق ، ويُسمي
الأشياء بأسمائها ، ويكره التدليس والخداع وتزوير الحقائق
، ولا يرضى بالمداهنة
أو المداورة ، وهذا ما لا يرضي العامة الذين ألهتهم
شهواتهم وأهواؤهم عن ذكر الله، كما لا يرضي
المتنفذين الذين يستمدون وجودهم ومكانتهم من غفلة العامة وسكرتهم .
ينطلق
المصلح مستعيناً بالله تعالى يجوب الآفاق رافعاً صوته بكلمة التوحيد
الخالص لا يعتريه فتور ولا خور ، ولا يقعده عن أمانة
البلاغ رغبة ولا رهبة ولا
خوف ، لأن القلب العامر بنور الإيمان يكتسب قوة وثباتاً
يستعلي بها على زخرف
الدنيا وبطش الجبابرة .
إن عظمة
المصلح تتجلى في ثباته ورباطة جأشه وقدرته على مواجهة الناس، بدون كلل أو ملل ، فالحق يمكن أن يصل إليه الكثيرون
، ولكن الصدع به
والثبات عليه والصبر على الأذى فيه منزلة شامخة لا
يصل إليها إلا المصلحون
الأفذاذ .
إن عظمة
المصلح تتجلى في رعايته لهموم الأمة كبيرها وصغيرها ، دينيها
ودنيويها ، فهو يعيش للأمة يذب عن بيضتها ويحمى حماها
، ولا يتعلق قلبه بشكر
الناس أو حمدهم ، أو ترهب نفسه من غضبهم أو ظلمهم ،
يقولها صادقاً : يا قوم
لا أسألكم عليه أجراْ إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا
تعقلون [ هود : 51] إنّ
المصلحين هم صانعو الحياة ، وباعثو الأمل في الأمة
هم حرسها وقادتها وحداتها
إلى كل خير ، في زمن عزّ فيه الأحياء ، وندر فيه الصادقون
.. !
كتبه / د أيمن عبد العظيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق