السبت، 11 أغسطس 2018

حال المصلحين


حال المصلحين       
روى البخاري في قصة نزول الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم- أن
ورقة بن نوفل لمّا أخبره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خبر ما رأى قال :
ليتني أكون حياً إذ يُخرجك قومك ، فقال رسول الله : أومُخرجي هم ؟ قال : نعم ،
لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي .
عجيب أمر المصلحين .. يواجهون بكل أنواع الظلم والمحاربة والاستهزاء ،
ومع ذلك فهم صابرون محتسبون .. !!
      عجيب أمر المصلحين ، يخرج المصلح منهم وحيداً فريداً يقف بمفرده أمام
الأمة بمجموعها لا يضره من خذله ولا من خالفه ، يتألب عليه الخاصة وينفر منه
العامة ، يصفونه بأقذع الصفات ويتهمونه بأبشع الأخلاق ، ومع ذلك فهو رافع
الرأس ، عالي الهمة ، صادق العزيمة .. ! ينظر المصلح إلى الناس من حوله فيجد
الانحراف والضلال والبعد عن شرع الله فيتحرك قلبه ، ويهتز ضميره ، ويصبح ويمسي مفكراً في هموم الأمة وأحوالها ، يظل قلق النفس حائر اللب ، لا يهدأ باله
بنوم أو راحة ، ولا تسكن نفسه بطعام أو شراب .. وكيف يقوى على ذلك أو
يرضى به وهو يرى أمته تسير إلى الهاوية ، وفصول الهزيمة والاستكانة تتوالى
تباعاً .. !!
      إنّ المصلح صادق مع نفسه ، صادق مع الآخرين ، يجهر بالحق ، ويُسمي
الأشياء بأسمائها ، ويكره التدليس والخداع وتزوير الحقائق ، ولا يرضى بالمداهنة
أو المداورة ، وهذا ما لا يرضي العامة الذين ألهتهم شهواتهم وأهواؤهم عن ذكر الله،   كما لا يرضي المتنفذين الذين يستمدون وجودهم ومكانتهم من غفلة العامة   وسكرتهم .
      ينطلق المصلح مستعيناً بالله تعالى يجوب الآفاق رافعاً صوته بكلمة التوحيد
الخالص لا يعتريه فتور ولا خور ، ولا يقعده عن أمانة البلاغ رغبة ولا رهبة ولا
خوف ، لأن القلب العامر بنور الإيمان يكتسب قوة وثباتاً يستعلي بها على زخرف
الدنيا وبطش الجبابرة .
      إن عظمة المصلح تتجلى في ثباته ورباطة جأشه وقدرته على مواجهة الناس،   بدون كلل أو ملل ، فالحق يمكن أن يصل إليه الكثيرون ، ولكن الصدع به  
والثبات عليه والصبر على الأذى فيه منزلة شامخة لا يصل إليها إلا المصلحون
الأفذاذ .
      إن عظمة المصلح تتجلى في رعايته لهموم الأمة كبيرها وصغيرها ، دينيها
ودنيويها ، فهو يعيش للأمة يذب عن بيضتها ويحمى حماها ، ولا يتعلق قلبه بشكر
الناس أو حمدهم ، أو ترهب نفسه من غضبهم أو ظلمهم ، يقولها صادقاً : يا قوم
لا أسألكم عليه أجراْ إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون  [ هود : 51] إنّ
المصلحين هم صانعو الحياة ، وباعثو الأمل في الأمة هم حرسها وقادتها وحداتها
إلى كل خير ، في زمن عزّ فيه الأحياء ، وندر فيه الصادقون .. !
كتبه / د أيمن عبد العظيم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المَلَل من كَواذب الأخلاق

جاء في "صحيح ابن حبان" عن عـائـشـة -رضي الله عنها- تصف خلقاً من أخلاق الرسول -صلى الله عليه وسلم-   قالت :"كــان عـمـلـه...