في الهدم والبناء
إن المتتبع لكل الجهود التي بذلها الـمـسـلـمون خلال القرن الماضي فيما
سمي بـ (النهضة) سيلاحظ شيئاً عجيباً ، فهذه الجهود لم تكـن تراكـمـيـة يستفيد فيها
اللاحق من السابق ، وينظر في أمرها فيأخذ ما صح منها ويبني عليه ، ثم يأتي من بعده
ويتم البناء ، ولكنها في الـغـــالب كانت تبدأ من الصفر فتخطىء وتصيب وتجرب مرات ومرات
، وفي العادة تكون البدايات شاقة وتحتاج الى طاقات كثيرة .
وسبب هــــذه الـطــريقـــة في التفكير والعمل - والله أعلم - أننا لم نتعود
بعد على العمل المؤسـسـي الـذي يـقـــوم بالدراسات الدقيقة لكل عمل سبق وتقويمه تقويماً
منصفاً حيادياً، ودراسة كل فكر تقدم، وكل تجربة لداعية أو عالم أو هيئة، ومــــــا
هي الانجازات التي تحققت أو الفشل الذي وقع . كما أننا لم نتعود على الإنصاف في تقـدير
جهود الآخرين ، خاصة إذا كان يخالفنا ولو في شيء يسير ، وثالث الأسباب أننا نحمل في
داخلنا موروثات مذمومة من الحسد والشنآن فلا نذكر محامد أحد ، بل إننا أقرب إلى حـــب
التحطيم كما يفعل الأطفال بألعابهم
كـتـب خـيــر الـديـن التونسي قبل أكثر من قرن محذراً من الطوفان القادم
(الغرب) إن لم يتدارك الأمر بالمؤسسات والبعد عن الاستبداد في الأمة وما يجر من ويلات
، وعلى الرغم مما عندنا من ملاحـظــات على التونسي والكواكبي ، وما في فكرهما من ثغرات
وتشوش ، فإن ما طرحاه في هذا الموضوع كان صحيحاً .
ولا يزال بين المسلمين من يقول بعدم إلزامية الشورى . ثم جاء الشيخ رشيد
رضا وكتب في (المنار) مقالات قوية عن شؤون العمران والسنن الربانية في قوة الأمم ورقيها
وأسباب ضعفها . واقترح تأسيس الجمعيات والمدارس التي تساهم في هذا الرقي وأظن أننا
لم نستفد كثيراً مما كتب ، وهكذا تكررت هذه الظاهرة ، فقد قام الشيخ ابن باديس بتجربة
قوية ناجحة في جمع علماء الجزائر فـي جمـعـيـة واحدة ، وكان أثرها قوياً واضحاً في
نهضة الجزائر، والآن نـــــرى أكثر العلماء والدعاة متفرقين مع الأسف ، وكتب مالك بن
نبي عن المشكلة الحضاريــــــة وأن البدء يكون بتغيير ما بالأنفس ، وكتب عن مشكلة الأشخاص
والشيئية القادمة من عـصــور الانحطاط ، ولكن المشكلة لا تزال قائمة وجاء سيد قطب فكتب
فصولاً جيدة عن القاعدة الصلبة وكيف تتكون .
وليست المشكلة فـقـط أنـنـــــا لا نستفيد من صواب كل واحد منهم بل إن بعضنا
ينقض ما عندهم من إيجابيات ويقلل من شأنها ، ويستهين بها . وهم في ذلك ((كَالَّتِي
نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً)) [النحل 92] .
ولا ندري إلى متى نستمر في البناء والهدم والحزبية وقلة الإنصاف، والـنـزعـــة
الأنـانـيـة الضيقة . والله وحده المستعان على هذه الحال ، ولا حول ولا قوة إلا بالله
.
كتبه / د أيمن عبد العظيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق