بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله r .
وبعد :
مما لا شك فيه أن الحياة لا تصلح إلا بالإسلام ، وتلك قضية تلازم الوجود
الإنساني عبر تاريخه الطويل علي هذه الأرض ، وصدقُ هذه القضية ، يصحبها دائماً ،
ويعلن في نفسه في اعتزاز وثقة ، في كل عصر ، وفي كل جيل ، ذلك أن الإسلام وإن كان
تاريخ ميلاده قد بدأ ببعثة محمد r ، إلا أن مبادئه عاشت في ضمير الإنسانية منذ القدم ، ونادي بها رسل
الله جميعاً ، لم يختلف في ذلك رسول ولا نبي عن سابقه أو لاحقه : ] وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ
اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ ، ] شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ
وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [ .
إنها النشأة الضاربة في أعماق الزمن ، تعلن عن وحدة المصدر ، ووحدة المنهج
ووحدة الغاية ، التي تستهدف صنع الإنسان
علي مثال تستقيم به الحياة ، وتأخذ بقيادته سبرها الآمن ، وقرارها المطمئن .. فمتي
يدرك الناس ، أن الإسلام ضرورة ، لا غني للإنسانية عنه ؟
إن في الإسلام قيماً حضارية متجددة ، تَنْبَعُ من القرآن والسنة وتصب في
نهر الحياة ، لتمنحها انبل زاد ، واكرم عطاء من الأخلاق الفاضلة ، ومن خصائص
الأخلاق الإسلامية ، أنها تتسم بالثبات والأصالة ، والشمول ، وتصاحب سلوك المؤمن
في سلمه وحربه ، في عسره ويسره ، يتعامل بها مع أعدائه وأصدقاءه ، مع الأباعد والأقارب
، في داخل بلاده وخارجها ، لأنها موصولة بالله ، وهو رب الناس ، وهو فوق الزمان
والمكان .
إن حضارة الإسلام لا تقاس بحضارة سواه ، فالحضارة المعاصرة التي خلقها
الغرب ، قامت علي اساس الفلسفة اليونانية المادية ، التي تتجه أول ما تتجه إلي
الابتعاد عن الدين ، وفصله عن الحياة .
فهي حضارة جافة ، لا مجال فيها لإشراق البصيرة ، وشفافية الروح ، لأنها
تنسلخ عن الله ، وتضع زمامها في يد الشيطان !
والإسلام دين واقعي ، أدرك حاجة الإنسان إلي الرقي المادي والروحي في وقت
واحد فجمع بينهما في توافق وانسجام .
وحضارة الإسلام تنطلق في كل مجال ، وتأخذ مكانها في عالم الواقع لا في أوهام
الفلاسفة وخيالات المشرعين ولذلك كانت مثلاً رائعاً للحضارات علي مدي التاريخ .
ففي مجال الحياة الفردية تحفظ علي الإنسان كرامته ، وتعطيه حقه في الحرية
وحرية الإسلام بميزان لا تضيق حتي تَشِلَّ الحركة وتقتل المواهب ، ولا تتسع حتي
تفرط علي الناس وتطغي .
وفي مجال الحياة الاجتماعية تكافل ومواساة ، وأداء للأمانة وحكم بين الناس
بالعدل .
وفي ميدان الإنسانية عامة يعلن الإسلام أن البشر جميعاً من آدم وآدم من
تراب واكرم الناس عند الله أتقاهم .
ومن هنا فاضت الحضارة الإسلامية بخيرها علي العالم أجمع ، سواء منهم من دخل
الإسلام ومن اعرض عنه .
وفي ميدان العلم يغالي الإسلام بقيمته ، ويبني
صرحه علي أساسين : إيماني ـ تجريبي ، أما الإيماني فمصدره الوحي ، وموقف المسلم
منه القبول والتسليم ، وأما العلم التجريبي فبابه مفتوح امام النظر والتفكر في خلق
السموات والأرض والتجارب العملية . والإسلام هو الذي عرف العالم المناهج التجريبية
فخطي خطوات واسعة في مجال الإبداع والاختراع ، ولكن العلم في الإسلام مقرون باسم
رب الوجود فقال تعالي : } اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ { ومن هنا جاء علماً نافعاً يبني ولا يهدم ،
ويعمِّر ولا يدمِّر يَسْكُبُ في النفس الطمأنينة ويخلصها من دواعي القلق والخوف ،
ومما يشهد بعظمة الإسلام شهادات المؤرخين من غير المسلمين التي تشيد بحضارة
الإسلام وفضل المسلمين علي العالم فمنهم من قال : لم يفتح الإسلام العالم ولكن
غزاه بحضارته . ومن قال : إن للحضارة الإسلامية تأثيراً عظيماً في العالم وإن
أوروبا مدينة بحضارة العرب المسلمين فما أحوج عالمنا اليوم إلي أن يظلهُ الإسلام
ويبني علي أساسه حضارته الجديدة } وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ { . كتبه د أيمن عبد العظيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق