الاستبصار عند الفتن
عندما كتب الإمام أبو المعالي الـجـويـنـي كتابه في السياسة الشرعية المسمى
(غِيَاث الأمم في التياث الظُّلَم) أراد أن يقول إنه عندما يحـزب الـمـسـلمين أمر ،
وتأتي الفتن من كل مكان تشوش على المسلم ، فلا يدري وجه الحق ولا أين يتجه، ويصبح الحليم
حيران ، فالمعول عليه عندئذ هم العلماء الذي يبصرون الناس بالحقائق ويبينون الصواب
لأنهم أدرى الناس بمواقع الفتن ، وكيفية المخرج منها.
وذلك لما فقهوا واستأنسوا من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولـمـا
يعـلـمون من الترجيح بين الصالح والأصلح ، والفاسد والأشد فساداً، ويعلمون قاعدة دفع
الضرر ، رفـع الـحـرج ، ومـثل هذا ا الصنف من العلماء يجب أن يكون على علم وفقه دقيق
بالواقع كما هو على علم واسع بالقواعد الشرعية، وكيف تطبق على أرض الواقع.
إن الملاذ الذي يـلـجـــأ إليه العوام هم العلماء والدعاة، فهم المتَّبَعون
، ولا يجوز أبداً أن يكونوا هم التابعين يتحسسون آراء الشارع وتوجهات الناس ، فيؤيدون
هذا الاتجاه أو ذاك إرضاءً لهم ومسايرة لعواطفهم الفائرة، وحتى لا تحترق أوراقهم .
هناك بعض أئمة المساجــد مـن يـعـلــم أن ذاك الأمر بدعة ولكنه لا يستطيع
مخالفة عوام المسجد ! وكذلك نجدهم في الأمور الكبيرة التي تهجم على المسلمين فلا يدرون
أين المذهب ، وتتفرق بهم السبل ، هذا الصنف مـمـن يتصدر للزعامة، ويداري ويجامل على
حساب الحق ، فهو مقود لا قائد. وكان الأوْلى بـــه أن يصدع بالحق في وقت يكون الناس
في أشد الحاجة إلى العلماء الذين لا يجاملون ولا يداهنون.
كان الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان يسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
عن الشر والفتن مخافة أن يقع فيها، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يسأله ويستشيره
في موضوع الفتن ، فهل يتبصر الدعاة طريقهم عندما تشتبه الأمور، ثم يقومون بتبصير الناس
حتى لو أدى ذلك إلى معارضتهم واستغرابهم ، فإن هذه مهمتهم ، وهذه هي الأمانة التي نِيطت
في أعناقهم ((لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ ولا تَكْتُمُونَهُ))[آل عمران:187] .
كتبه / د أيمن عبد العظيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق