بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله r . وبعد :
أول خطوة في تطبيق الشريعة هي الوعي الصحيح لميزات الشريعة الإسلامية .
لقد فهم الصدر الأول رضي الله عنهم رسالة رسول الله صلي الله عليه وسلم حق معرفتها
ومن ثم فقد حق لهم أن يسودوا العالم وأن يتزعموه بلا منازع لهم في ذلك وان يقتحموا
الصعاب من أجل دينهم ويرفعوا رايته خفاقة فوق ربوع الأرض من المحيط إلي الخليج .
ولذلك قال النبي r (( والله ليتمن الله هذا الأمر حتي يسير الراكب من صنعاء إلي حضرموت
لا يخاف إلا الله أو الذئب علي غنمه ولكنكم قوم تستعجلون )) . رواه البخاري ،
وأحمد في مسنده بسند صحيح .
ولم يمنع القائد الكبير موسي بن نصير آنذاك من مواصلة الفتوحات إلا ظنه أن ماء
المحيط لا يحجب خلفه أرضاً وهكذا توقف الفتح غرباً لآن الأمريكتين لم تكونا قد اكتشفتا
بعد ، وإن كان ابن نصير قد سير جيش طارق لعبور ماء البحر الأبيض المتوسط شمالاً وفتح
الأندلس .
ومما لا جدال فيه أن سر ارتفاع كلمة المسلمين في عصر رسول الله r
وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين إنما كان لأنهم انطلقوا من فهم صحيح لدينهم وتمسك
بأهداف شريعتهم لا يصرفهم عن ذلك صارف مهما جل خطره وعظم أمره حتي استرخصوا الموت في
سبيل ربهم ودينهُم الذي ارتضي لهم وللناس أجمعين ، ولقد وعوا بحق قول الله تعالي
: } لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى
وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا
وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ
جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ +أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ
هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ { [الرعد : 18 : 19] .
كما طهر المسلمون عقيدتهم من الشرك بغير الله ومن ثم خلصت نواياهم وصح
عزمهم أن العمل كله لله ، وأن جميع المعبودين من دونه من أنبياء وأولياء وأصنام
وأشجار وأحجار وغيرهم لا يملكون شيئاً ولا يسمعون شيئاً مصداقاً لقوله تعالي : } وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ
لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ { [الأنبياء : 25] . وقوله تعالي : } وَأَنَّ
الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا { [
الجن : 18] . وقوله سبحانه } ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ
مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ + إِنْ تَدْعُوهُمْ
لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ
يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ { [ فاطر
: 13 : 14] .
وقوله تعالي : } وَمَنْ
يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ
رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ { [ المؤمنون : 117] .
هذه الآيات ومثلها الكثير في كتاب الله تعالي وقد فهمها المسلمون حق فهمها
وآمنوا بها وحرصوا علي أن تكون أعمالهم مصداقاً لها وأن تكون وجهتهم لله وحده ،
وزعامتهم للرسول r دون غيره ، وأن لا سلطان عليهم من قبلية أو عصبية أو قومية أو غير
ذلك من زعامات زائفة وكان قائلهم يقول :
أبي الإسلام لا أب لي سواه + + إذا انتسبوا لقيس أو تميم .
فكانت أمة متماسكة دينها أحب إليها من كل شئ ، ورسولها r أحب
إليهم من أنفسهم فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله r ((
لا يؤمن أحدكم حتي أكون أحب إليه من والده ووالده والناس أجمعين )) ( متفق عليه )
.
أمة سادت لأنها جعلت السيادة عليها لله وحده ، وعزت لأنها رأت أن الله
تبارك وتعالي هو وحده مصدر العزة والكرامة ، لا تنحني هامتها إلا له وحده ولا تسجد
لسواه .
فأين نحن الآن من أجدادنا ، أذلة ذل غرائب الإبل ، غثاء كغثاء السيل ،
أمرنا مزقته كثرة الأحزاب ، ولكنها أحزاب
ملعونة ضلت وأضلت ، وبعدت عن صراط الله المستقيم .
عن عبد الله بن مسعود t قال : خط لنا رسول الله r خطا
ثم قال : (( هذا سبيل الله )) ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله وقال : (( هذه سبل
علي كل سبيل منها شيطان يدعو إليه )) ، وقرأ : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا
فَاتَّبِعُوهُ ) الأنعام / 153. ( إسناده حسن) رواه أحمد ، والنسائي وغيره .
ولكن علي من يقع واجب التوعية ؟
واجب توعية المسلمين وتربيتهم إنما يقع
أولاً/ علي العلماء المربين وطلبة
العلم الجادين في توعية المسلمين وغير المسلمين بميزات وخصائص شريعة رب العالمين
التي نزلت علي النبيr الأمين صلوات الله وسلامه عليه ، والكلام عن كيفية التوعية يطول
والله المستعان.
وثانياً / علي عاتق الدولة فإن
الدولة قادرة علي أن تربي النشئ والأمة علي حد سواء عن طريق مدارسها فهي التي تضع
المناهج التعليمية ، فواجبها يقتضي أن تجعل للعلوم الدينية حظاً وافراً حتي ينمو
النشئ وهم علي دراية كافية بعلوم دينهم واستعداد كامل لتقبل أوامره واجتناب نواهيه
.
ثم إن الإعلام وخاصة في عصرنا هذا ، عليه أيضاً جانب كبير جداً في توعية
الناس جميعاً إلي خصائص الشريعة الإسلامية .
كتبه/ أيمن عبد العظيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق