وحدة الصف ووحدة المنهج
إذا كانت وحدة العمل الإسلامي مـن الـمـطـالـب الـمـلحة عند كثير من الدعاة
الذين بدأوا يتحسسون مواطن الخلل ومواطن القوة عند المسلمين ، وإذا كــان هــذا المطلب
مما يأمر به الدين ويحث عليه لأنه من التعاون على البر والتقوى ، فإنه يزداد إلحاحاً في هذه الأيام التي تجري فيها تغيرات في العالم
لم تكن بالحسبان ولم يتوقعها أحــد ؛ انهـيــارات فـي الكـتل الشرقية ، وانحسار للشيوعية
، وتقارب بين الغرب والشرق ، والمستفيد حتى الآن هو الـغـرب الـرأسمـالـي الليبرالي
، وقدمت روسيا تنازلات كثيرة في سبيل التقرب من هذا الغرب ، الذي يمتلك التقـنـيـة
والمال والسيطرة السياسية ، فمن يقف في وجه هذا التكتل على الأقل من الناحية الحضارية
والـعـقـائـديـة ؟ مَن من شعوب العالم الثالث يملك هوية واضحة ، ومنهجاً متكاملاً ؟
لا يوجد سوى الإســـلام ، ومــن الـمفترض أن يقود الشعوب الإسلامية العلماء والدعاة
، وإذا كانوا غير مؤهلين لذلك ولم يستطيعوا الجلوس على مائدة الحوار والتعاون فلمن
تترك الساحة ؟
كنت أحاضر في أحد المراكز الإسلامية عن واقع الإسلام اليوم وما يحــدث فـي
أوربـا هذه الأيام ، وعـنـدمـا جــاء دور الأسـئـلـة أو الـمـناقشة علق أحد الحضور
(وأظنه من العمال المتعلمين) قائلاً : »الدنيا سائرة وإذا كنتم تريدون أن يكون للإسلام
حضور فيجب أن تبدأوا وتسرعوا ، وإلا فالناس لا ينتظرونكم طويلاً ...« وعجبت من نظرته الواقعية وتذكرت رأي ابن خلدون
في أن العوام الذين يملكون الفطرة السليمة والتجربة العملية عندهم القدرة على معرفة
الواقع ، وخاصة الواقع السياسي أكثر مــن أصحاب التنظـيـر المجــرد الغارقين في الثقافة
الذهنية الباردة ، وتذكرت قول صديق أرسل لي رسالة قال فيها : »إذا كان المطل (1) ممكناً في الأسلاف المستحقة مالياً فهو متعذر في الاستحقاقات الحضارية« .
وعندما نتكلم عن وحدة الصف ووحـدة العمل الإسلامى فإنما نعني تجمع أصحاب
المنهج الواحد ، منهج خير القرون ولـيـس تجمعاً يرضي الجميع مع التساهل في شيء من شريعة
الله ، فهذه من مداخل الشيطان التي ظاهرها الخير وتأليف القلوب ، وباطنها تجمع هش لا
يصمد في وجه التحديات الداخلية والخارجية .
إن هؤلاء الكفار يمكرون في الليل والـنـهار ولا يملون من كثرة الاجتماعات
وكثرة المناقشات وتقليب وجهات النظر للاستقرار على أمر يريدونه .
أيـطـلـب أهل الباطل أمرهم بجد ونحن نـطـلـبـه ببطء وتراخ ؟ وينطبق علينا
قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- : »اللهم إني أشكو إليك جلد الفاجر وعجز المؤمن«
.
الهوامش:
(1) المماطلة
كتبه د أيمن عبد العظيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق