الخميس، 26 يوليو 2018

نحو وعي صحيح


نحو وعي صحيح
أي إسلام تريدون يا أمتنا
إلـى الأمـة المسلمـة، إلى الأمة العربية: أي إسلام تريدون؟ أتريدون الإسلام المستأنس، أم إسلام الخوارج ، أم إسلام الكتاب والسنة ؟
لأن الإسلام من عـنـد الله الذي لا يحابي أحداً ، ولا تكريم عنده إلا للتقي ، ولأن التقوى منزلة عزيزة المطلب ولأن حب التسلط من طبع البشر ولا يتخلص إلا القليل منهم من نوازع نفسه وحب ذاته؛ ولأن الآيـة والحـديـث سـيـف في يد قائلهما ؛ لكل ذلك لا بد للسلطان الذي يحكم الهوى أن يستأنس إسلاماً يسانده في سلطانه ويحقق منافعه ويستخدمه سلاحاً ضد أعدائه . وعملية استئناس الإسلام عملية قـديـمـة قـدم الانحـــراف عن منهج الكتاب والسنة، وستستمر ما بقي سلطان في الأرض يحكم بالإسلام اسماً، وبالقرآن رسماً وبالمصالح والأهواء عملاً وواقعاً .
والمستفيدون من ذلك يرون لـــزامــاً عليهم أن يقربوا رجالاً يتزينون بزي الدين فينطقونهم حيث يردون ويسكتونهم حيث يشاؤون ، ويضع هؤلاء لهم من الفتاوى ما يناسب أذواقهم وأهواءهم ، ويفصلون لهم من الدين أثواباً على قياسهم ، ولذلك فالاسلام المستأنس إسلام عجيب ، إذا كان السلطان يطبق النظام الشيوعي كان الإسلام المستأنس شيوعياً وكذلك إذا كان اشتراكياً لا ترى ولا تسمع إلا الأحاديث التي تشيد بالمساواة وآيات الإنفاق ، وإذا كان السلطان يطبق النظام الرأسمالي بكل احتكاراته وظلمه وغشمه لا تسمع إلا: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام" .
واليوم حيث تتشابك السبل وتشتبه النصوص وتقل المعرفة ويستأنس علماء الإسلام بالترغيب تارة وبالترهيب أخرى ، ويصنع لكل سلطان في كل بلد جبة إسلامية تناسبه في الشكل والموضوع يخرج فكر الخـوارج مــــــن معاقله فنسمع عن جماعات التكفير والهجرة وعلى شاكلتها .
وإسلام الكتاب والسنة ليس هذا ولا ذاك ، إنه إسلام مهتد ينطق بالحق ولا يبرر الواقع ، ويصدع بالنص كما يريده الله ورسوله ، ولا يلوي عنقه ليوافق أهواء الناس . إسلام الكتاب والسنة هو الإسلام الكامل الذي أنزله الله لا يجامل أحداً ، ولا يستغله أحد ، يقوم عليه علماء نذروا أنفسهم لله وتواضعوا له فرفعهم وأخلصوا نياتهم فأشرقت قلوبهم بنور الوحي فعرفوا طريقهم وعظموا الله فــذل كل جبار في أعينهم ، وتواصوا بالمرحمة فعلموا الجاهل وأرشدوا الحائر وصبروا على إساءة الظالم طمعاً في هداية الخلق ورغبة في ثواب الخالق ، فأي إسلام تريدون يا أمتنا .

تمييز الخبيث من الطيب


تمييز الخبيث من الطيب

يقول الله تعالى : ((مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّـيِّـبِ ومَا كَـانَ اللَّهُ لِيُطْـلِـعَـكُمْ عَلَى الغَيْبِ)) [آل عمران 179]، إن من رحمة الله تعالى وحكمته البالغة أن يقدر أحداثاً مؤلمة تتميز من خلالها الصفوف ، وتتعرى فيها النفوس ، فتظهر على حقيقتها للناس ، وهذا هو الذي ظهر من خلال هذا الانقلاب ، حيث ظهرت حقائق مهمة ساهمت في توعية الناس والدعاة منهم بصفة خاصة ، وذلك بحقيقة أعدائهم ، وتهافت راياتهم ، وانكشاف مخططاتهم ، وادعاءاتهم الكاذبة التي كانوا يخدعون بها الناس ، وتعرت بذلك دول وأفكار ودعوات ، بل إن الإنسان نفسه قد تعرى أمام نفسه ، وكشف من خلال هذه الأحداث حقائق من حوله ومن نفسه ما كانت لتعرف لو لم يقدر الله عز وجل مثل هذه الأحداث ، وإن هذه الثمرة الكبيرة من توعية المسلمين بحقيقة أعدائهم وبحقيقة الأفكار والنحل التي تتلاطم من حولهم ما كانوا ليعرفوا عنها شيئاً ، وبهذا الكم الهائل من المعلومات لولا تقدير الله سبحانه وتعالى لهذا.

والأيام حبلى بدروس وعبر جديدة، أليس هذا من رحمة الله وفضله؟ بلى والله ، ولا يعني هذا أننا نتمنى المصائب والفتن ، معاذ الله ، فإن المسلم لا يدري ما تكون حاله حينئذ وقد نهانا الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك بقوله : »ولا تتمنوا لقاء العدو وإذا لقيتموه فاصبروا« متفق عليه.

ولكن أردت الإشارة هنا إلى ربط الأحداث بعلم الله عز وجل وحكمته البالغة ، وأن شيئاً في هذا الكون لا يكون إلا بعلم الله عز وجل وحكمته البالغة ، ويريد الله عز وجل منه الخير للمسلمين في الحال أو المآل.
د أيمن عبد العظيم

الأحد، 15 يوليو 2018

حجة ساقطة


حجة ساقطة
من يتابع تصريحات دعاة " السـلام " الـذلـيـل والهزيل مع اليهود ؛ واللاهثين وراءه بكل قواهم ؛ يصيبه العجب العجاب من الحجج الـتـي يـسـوقـونـهـا ليـعـطـف عـلـيهم اليهود وأشياعهم ؛ فيقبلوا مجرد بحث هذا الموضوع. ومن هذه الحجج الرخيصة والساقطة: أنهم يحاولون إقناع خصومهم بأنهم هم الطرف الوحيد المعتدل العاقل الذي يمكن التفـاهم معه، بــل وتـبـلـغ بهـم الصفـاقة أن يلوحوا بأن التعامل مع اليهود من أجل كبح من يسمونـهـم "المتطرفين" ، وهذه دعوة صريحة للتعاون مع العدو ضد بني جلدتهم!
وهذا الموقف ينطوي على قـصــر نظـر، ويـحـمـل سوء قصد وخبث هدف. وفيه من الخسة والانحطاط الخلقي - الذي هو صفة من صفات الـمـنـافقين - ما يدعو إلى فضحه والتحذير منه بكل وسيلة.
أما قصر النظر :فهو ظنهم أن العدو يمكن أن يثق بهم، ويـتـخـلـى عـن شـىء مـن خـطـطه التوسعية ومطامعه وأهدافه في العمل الدؤوب على إضعاف كل عناصر المقاومة عند العرب، ومقارنتهم "المتطرفين المسلمين بالمتطرفين الصهاينة".
وأمـــا ســوء القـصـــد وخبث الهدف: فهو سعيهم الحثيث للصلح مع العدو ، ومحاولتهم المستميتة لتجميل صـــورهم القبيحة في نظر العدو، بينما لا يبذلون مثل هذا الجهد لإظهار حسن النية مع أبناء أوطــانـهـم ممن يخالفونهم الرأى؟ بل يحرصون على احتكار الأعمال الوطنية ويدعونها لأنفسهم، ويـجــردون الـكـثـيـرين مـــن بـنـي أوطــانهم من كل الحقوق والامتيازات ؛ إلا حق التعرض لبطش العدو وجبروته ، وتجاهل المفترض أن يكون صديقاً وتحامله وتشويهه..

وحدة الصف ووحدة المنهج



وحدة الصف ووحدة المنهج

إذا كانت وحدة العمل الإسلامي مـن الـمـطـالـب الـمـلحة عند كثير من الدعاة الذين بدأوا يتحسسون مواطن الخلل ومواطن القوة عند المسلمين ، وإذا كــان هــذا المطلب مما يأمر به الدين ويحث عليه لأنه من التعاون على البر والتقوى ، فإنه يزداد إلحاحاً  في هذه الأيام التي تجري فيها تغيرات في العالم لم تكن بالحسبان ولم يتوقعها أحــد ؛ انهـيــارات فـي الكـتل الشرقية ، وانحسار للشيوعية ، وتقارب بين الغرب والشرق ، والمستفيد حتى الآن هو الـغـرب الـرأسمـالـي الليبرالي ، وقدمت روسيا تنازلات كثيرة في سبيل التقرب من هذا الغرب ، الذي يمتلك التقـنـيـة والمال والسيطرة السياسية ، فمن يقف في وجه هذا التكتل على الأقل من الناحية الحضارية والـعـقـائـديـة ؟ مَن من شعوب العالم الثالث يملك هوية واضحة ، ومنهجاً متكاملاً ؟ لا يوجد سوى الإســـلام ، ومــن الـمفترض أن يقود الشعوب الإسلامية العلماء والدعاة ، وإذا كانوا غير مؤهلين لذلك ولم يستطيعوا الجلوس على مائدة الحوار والتعاون فلمن تترك الساحة ؟

كنت أحاضر في أحد المراكز الإسلامية عن واقع الإسلام اليوم وما يحــدث فـي أوربـا هذه الأيام ، وعـنـدمـا جــاء دور الأسـئـلـة أو الـمـناقشة علق أحد الحضور (وأظنه من العمال المتعلمين) قائلاً : »الدنيا سائرة وإذا كنتم تريدون أن يكون للإسلام حضور فيجب أن تبدأوا وتسرعوا ، وإلا فالناس لا ينتظرونكم طويلاً  ...« وعجبت من نظرته الواقعية وتذكرت رأي ابن خلدون في أن العوام الذين يملكون الفطرة السليمة والتجربة العملية عندهم القدرة على معرفة الواقع ، وخاصة الواقع السياسي أكثر مــن أصحاب التنظـيـر المجــرد الغارقين في الثقافة الذهنية الباردة ، وتذكرت قول صديق أرسل لي رسالة قال فيها : »إذا كان المطل (1) ممكناً  في الأسلاف المستحقة مالياً  فهو متعذر في الاستحقاقات الحضارية« .

وعندما نتكلم عن وحدة الصف ووحـدة العمل الإسلامى فإنما نعني تجمع أصحاب المنهج الواحد ، منهج خير القرون ولـيـس تجمعاً يرضي الجميع مع التساهل في شيء من شريعة الله ، فهذه من مداخل الشيطان التي ظاهرها الخير وتأليف القلوب ، وباطنها تجمع هش لا يصمد في وجه التحديات الداخلية والخارجية .

إن هؤلاء الكفار يمكرون في الليل والـنـهار ولا يملون من كثرة الاجتماعات وكثرة المناقشات وتقليب وجهات النظر للاستقرار على أمر يريدونه .

أيـطـلـب أهل الباطل أمرهم بجد ونحن نـطـلـبـه ببطء وتراخ ؟ وينطبق علينا قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- : »اللهم إني أشكو إليك جلد الفاجر وعجز المؤمن« .

الهوامش:

(1) المماطلة
كتبه د أيمن عبد العظيم

ولولا رهطك لرجمناك



ولولا رهطك لرجمناك

من المبادئ الأساسية في الدعوة الإسلامية التعاون والتناصر بين المؤمنين ، وتـطـبـيـق مـبدأ الأخـــوة تطبيقاً عملياً ، والابتعاد عن خلق التفاخر الجاهلي بالأنساب والقبائل ، هذا هو الأصل ولـكــن قـد تأتـى الـنـصـرة والـمساعدة الفردية من القريب أو العشيرة أو من صديق الدراسة، لا من قبيل التدين والأخوة الإسلامية ، ولكن عصبية نسبية ، وأريحية ونخوة، فهل يرفض المسلم هذا التأييد، خاصة إذا كان في مرحلة الضعف ، مـع أنه لا يتنازل عن شيء من دينه أو عقيدته ، ولا هم يساومونه أو يطلبون منه المداهنة.

إن بـعـضـاً من الشباب المـسلم ولحساسية هذا الموضوع ، ولقلة فقههم فـي أصـول الـدعــوة يرفضون مـثــل هــذه الـمساعدة والتأييد ، ولكنهم لو تدبروا القرآن لوجدوا أنه ذكر قصص الأنبياء وكيف امتنعوا بأقـوامـهـم أو قبائلهم عصبية من أذى الكفار ، قال تعالى حاكياً عن شعيب عليه السلام وقومه: ((قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وإنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً ولَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ومَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ)) [ هود:91].

فهذه الآية تنبئنا أن الكفار لم يستطيعوا الوصول إلى شعيب بالأذى ، خوفاً من قبيلته.

وكذلك ذكر تعالى في صالح وقـومـــه:((قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وإنَّا لَصَادِقُونَ)) [ النمل:49 ] فهم يخافون من أولياء صالح عليه السلام (عشيرته الأقربين) ولو فعلوا به سوءاً لفعلوه سراً ، ولحلفوا لهم أنهم ما فعلوا شيئاً ، وقال تعالى مخاطباً نبينا عليه الصلاة والسلام: ((ألم يجدك يتيما فآوى)) أي آواك إلى عمك أبي طالب ، قال الشيخ الشنقيطي معلقاً على هذه الآيات:(وهو دليل على أن المتمسك بدينه قد يعينه الله ويعزه بنصرة قريبه الكافر ، ولهذا لما كان نبي الله لوط عليه السلام ليس له عـصـبـة ظـهـر هـذا فـيـهـم لقوله تعالى:((قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ))

[ هود:80] ولما ناصر بنو الـمـطـلب بن عبد مـنـاف بنى هاشم ولم يناصرهم بنو عبد شمس عرف النبي -صلى الله عليه وسلم- لبنى المطـلـب تلك المناصرة التي هي عصبية النسب ، لا صلة لها بالدين فأعطاهم من خـمـس الـغـنـيـمة مع بنى هاشم وقال: »إنا وبنى المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام« ومنع بني عبد شـمـس وبـنـي نـوفـل مع أن الجميع أولاد عبد مناف((أضواء البيان 3/41).

هناك فرق بين الموالاة والمداهنة ، وبين أن يعرض قريب أو صديق خدماته ومساعدته لمسلم ويستفيد المسلم من هذا لدفع ظـلـم أو تخفـيـف ضرر ، ويبقى الأصل هو عدم موالاة الكفار وزجر أهل الفسوق والبدع ، وكل هذا يحتاج لفقه في الدعوة واستقامة على الطريق.

معاول .. معاول


معاول .. معاول

ان المعاول التي تريد هدم شباب الأمة كثيرة، منها إعلامي ، وآخر أخلاقي ، وآخر كذلك ثقافي ...، وهلم جرا ، ولكن - ومن بـاب نـقـد الـذات - هناك زمرة منا ؛ هم في الحقيقة معول هدم ، بل ومن أشدها قوة وتأثيراً، هذا الـمـعـول هــو سلسلة تحطيم قدرات الشباب وازدرائها والحط منها تارة باسم "النضوج المبكر" وتارة باسم "قلة العلم والإدراك" .

ولا شك أن التقويم مطلوب ومعالجة الأخـطـــــاء ضرورة ملحة يفرضها الواقع وقبله الشرع الحنيف ، ولكن ما مدى صحة طريقة عرض أخـطـــــاء شبابنا، إن عرضها بطريقة الحط والنيل والتشفي هي من أسباب سقام الأمة وقلة وعي شبابها، وإلا فما بال طفل عمره أحد عشر عاماً تحس منه فرط ذكاء ونبوغ ، وبعد بضع سنين تظهر وتفوح منه الدونية والنظرة السطحية والآمال الأرضية ؟ السبب - لا شك - هـــــو وَأْده قبل الولادة بهذا المعول ومعه عدة معاول أُخَر. وأنا هنا لا أدعو إلى المدح المفرط والتأثـيـر المـــزدوج وتحميل شبابنا أكثر وأكبر مما ينبغي بل "القصدَ القصدَ تبلغوا" و"الحسنة بين السيئتين" .

إن شباب الأمة هم روضها الناضر وزهورها التي ستثمر - إن شـــــــاء الله - فهلاّ رعيناها رعاية الأب المشفق المتجاوز عن السقطات العفوية، التي لابد منها لـكـــل عمل وبعيداً عن التهشيم الحاد. لا شك أننا سنكسب الكثير لمصلحة الدعوة وإلا سيجني أعـــداؤنا ثمرات سقطاتنا ، وأخاف أن :

تمضي بنا سُفن الأيام ماخرةً      بحر الوجود ولا نُلقي مَراسينا   
كتبه د أيمن عبد العظيم

أول خطوة في تطبيق الشريعة هي الوعي الصحيح لميزات الشريعة الإسلامية .


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله r .  وبعد :   
أول خطوة في تطبيق الشريعة هي الوعي الصحيح لميزات الشريعة الإسلامية .
لقد فهم الصدر الأول رضي الله عنهم رسالة رسول الله صلي الله عليه وسلم حق معرفتها ومن ثم فقد حق لهم أن يسودوا العالم وأن يتزعموه بلا منازع لهم في ذلك وان يقتحموا الصعاب من أجل دينهم ويرفعوا رايته خفاقة فوق ربوع الأرض من المحيط إلي الخليج .
ولذلك قال النبي r (( والله ليتمن الله هذا الأمر حتي يسير الراكب من صنعاء إلي حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب علي غنمه ولكنكم قوم تستعجلون )) . رواه البخاري ، وأحمد في مسنده بسند صحيح .
ولم يمنع القائد الكبير موسي بن نصير آنذاك من مواصلة الفتوحات إلا ظنه أن ماء المحيط لا يحجب خلفه أرضاً وهكذا توقف الفتح غرباً لآن الأمريكتين لم تكونا قد اكتشفتا بعد ، وإن كان ابن نصير قد سير جيش طارق لعبور ماء البحر الأبيض المتوسط شمالاً وفتح الأندلس  . 
ومما لا جدال فيه أن سر ارتفاع كلمة المسلمين في عصر رسول الله r وأصحابه ومن تبعهم  بإحسان إلي يوم الدين  إنما كان لأنهم انطلقوا من فهم صحيح لدينهم وتمسك بأهداف شريعتهم لا يصرفهم عن ذلك صارف مهما جل خطره وعظم أمره حتي استرخصوا الموت في سبيل ربهم ودينهُم الذي ارتضي لهم وللناس أجمعين ، ولقد وعوا بحق قول الله تعالي :  } لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ +أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ  { [الرعد : 18 : 19] .
كما طهر المسلمون عقيدتهم من الشرك بغير الله ومن ثم خلصت نواياهم وصح عزمهم أن العمل كله لله ، وأن جميع المعبودين من دونه من أنبياء وأولياء وأصنام وأشجار وأحجار وغيرهم لا يملكون شيئاً ولا يسمعون شيئاً مصداقاً لقوله تعالي : } وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ { [الأنبياء : 25] . وقوله تعالي : }  وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا { [ الجن : 18] . وقوله سبحانه } ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ +  إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ  {  [ فاطر : 13 : 14] .
وقوله تعالي : }   وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ { [ المؤمنون : 117] .
هذه الآيات ومثلها الكثير في كتاب الله تعالي وقد فهمها المسلمون حق فهمها وآمنوا بها وحرصوا علي أن تكون أعمالهم مصداقاً لها وأن تكون وجهتهم لله وحده ، وزعامتهم للرسول r دون غيره ، وأن لا سلطان عليهم من قبلية أو عصبية أو قومية أو غير ذلك من زعامات زائفة وكان قائلهم يقول :
أبي الإسلام لا أب لي سواه + + إذا انتسبوا لقيس أو تميم .
فكانت أمة متماسكة دينها أحب إليها من كل شئ ، ورسولها r أحب إليهم من أنفسهم فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله r (( لا يؤمن أحدكم حتي أكون أحب إليه من والده ووالده والناس أجمعين )) ( متفق عليه ) .
أمة سادت لأنها جعلت السيادة عليها لله وحده ، وعزت لأنها رأت أن الله تبارك وتعالي هو وحده مصدر العزة والكرامة ، لا تنحني هامتها إلا له وحده ولا تسجد لسواه .
فأين نحن الآن من أجدادنا ، أذلة ذل غرائب الإبل ، غثاء كغثاء السيل ، أمرنا مزقته كثرة الأحزاب ، ولكنها أحزاب  ملعونة ضلت وأضلت ، وبعدت عن صراط الله المستقيم .
عن عبد الله بن مسعود t  قال : خط لنا رسول الله r خطا ثم قال : (( هذا سبيل الله )) ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله وقال : (( هذه سبل علي كل سبيل منها شيطان يدعو إليه )) ، وقرأ : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ) الأنعام / 153. ( إسناده حسن)  رواه أحمد ، والنسائي وغيره .
ولكن علي من يقع واجب التوعية ؟
واجب توعية المسلمين وتربيتهم إنما يقع  أولاً/  علي العلماء المربين وطلبة العلم الجادين في توعية المسلمين وغير المسلمين بميزات وخصائص شريعة رب العالمين التي نزلت علي النبيr الأمين صلوات الله وسلامه عليه ، والكلام عن كيفية التوعية يطول والله المستعان.
وثانياً /  علي عاتق الدولة فإن الدولة قادرة علي أن تربي النشئ والأمة علي حد سواء عن طريق مدارسها فهي التي تضع المناهج التعليمية ، فواجبها يقتضي أن تجعل للعلوم الدينية حظاً وافراً حتي ينمو النشئ وهم علي دراية كافية بعلوم دينهم واستعداد كامل لتقبل أوامره واجتناب نواهيه .
ثم إن الإعلام وخاصة في عصرنا هذا ، عليه أيضاً جانب كبير جداً في توعية الناس جميعاً إلي خصائص الشريعة الإسلامية .                                                        كتبه/ أيمن عبد العظيم
                                                            

هذه هي السياسة



     هذه هي السياسة                                    




كثيراً ما يقال في عالم السياسة أن السياسة شيء والأخلاق شيء آخر ، وأنه لا اتفاق بين السياسة والأخلاق ، وأن السياسة الناجحة هي السياسة التي لا تسلك سبيل المبادئ والأخلاق وتقوم علي القول المعروف ( الغاية تبرر الوسيلة ) ولكن من يقرأ تاريخ العالم السياسي قديمه وحديثه : يتبين له أن هذه الأقوال والعبارات ليست من السياسة الرشيدة الناجحة في شيء ، وأن السياسة الحكيمة المثمرة : هي التي تقوم علي الأخلاق الإسلامية والمبادئ الإنسانية ، ويتبن له أن عباقرة السياسة ومؤسسي الدول وبناة النهضات وقادة الشعوب كانوا يتحلون بالأخلاق الكريمة (الإسلامية) والمبادئ الإنسانية ، وأن الأساس السليم الذي تبني عليه السياسة الحكيمة النافعة : هو خدمة الشعب وبناء الوطن واقامة علاقات حسنة مع الآخرين في الداخل والخارج ، ووضع المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة في نطاق المحافظة علي حقوق الآخرين ، لأن مصالح الناس والشعوب في كل زمان ومكان متشابكة متداخلة متصلة ببعضها البعض ، وكما أنه لا يمكن لأي فرد أن ينعزل عن الآخرين ، كذلك لا يمكن لأي شعب أن يعيش منعزلاً عن الشعوب الأخرى فمصالح الجميع لا تُصان ما لم يكن هناك احترام متبادل بين الدول والشعوب .

والسياسة الحكيمة الرشيدة الناجحة تسلُك سبيل الشوري والديمقراطية والحرية وتقوم علي رضا الشعب وارادته فكل سياسة تتبع طريق الاستبداد والانفراد بالحكم وتفرض علي الشعب بالقوة والاكراه : مصيرها الفشل والسقوط ، فالشعب هو الميزان الحقيقي الصحيح لكل سياسة .

ولن يخدم الشعب ولن يكسب ثقته وولاءه إلا السياسي الذي يتسم بالعدل والحق والشرف والأمانة ، ويتبع طريق الشوري والديمقراطية ، فقد ثبت بالتجربة والواقع أن السياسة التي تتسم بالظلم والباطل : تعود علي أصحابها بالفشل والضرر والخسارة

ومن سمات السياسة العاقلة الناجحة : الكلمة الطيبة والعمل الطيب ، والأخذ والعطاء ، واللين والشدة ، والاعتدال في الصداقة والعداوة ، ووضع الشيء محله وحينه ، ومخاطبة كل شخص باللغة التي يفهمها ، والاكثار من الأنصار المؤيدين ، والاقلال من الخصوم المعارضين ، وكسب ثقة الناس ومحبتهم ، وبمقدار ما يكسب السياسي ثقة الناس به وتأييدهم له يكون هذا دلالة علي عقله ونجاحه ، ولن يكسب سياسي ثقة الناس به وتأييدهم له : إلا بخدمة المصلحة العامة ، وبناء الوطن ، هذا ما تعلمناه من فَهمنا لكتاب ربنا سبحانه وتعالي وسنة نبينا محمد e ، ورأيناه في البلاد الواعية المتقدمة ، أما في البلاد الجاهلة المتخلفة فإن كسب ثقة الأنصار والأعوان يكون بطرق ووسائل غير سليمة .

قد يقول قائل : إن السياسة كالحرب خُدعة ، فنقول له إن السياسة اسلوب والحرب اسلوب آخر وإن كان بينهما اتصال وثيق ، والغرض منهما واحد ،  لا يتبع طريق الحرب والقتال إلا عندما تفشل الطرق السياسية والوسائل السلمية ، فالحرب نتيجة لفشل طرق السلم والسياسة وذلك يعني أنه من الصواب استعمال الخداع والتضليل مع العدو في الحرب والسياسة ، ومن الخطأ استعمال ذلك مع غير العدو . 

فالحرب والسياسة مع العدو خُدعة وتضليل ، ومع غير العدو أمانة واستقامة وصدق ، كما أنه الخير للمرء أن يلتزم جانب الحق والعدل مع الناس جميعاً ، ومن الشر أن يسلُك طريق الظلم والباطل في جميع الظروف والأحوال ، فقد علمنا الله U في كتابه ونبيه e والتجربة أن عاقبة الظلم والباطل : الخراب والدمار .

إذاً : السياسة العادلة المُنصفة سياسة حكيمة رشيدة نافعة ، والسياسة الجائرة الظالمة سياسة حمقاء خرقاء ضارة .

وخير دليل علي صواب هذا الكلام : هو الوقوف علي الحياة السياسية لرجال قدامي ومحدثين .

ولنأخذ أولاً من رجال السياسة القدماء : رسول الله e فقد كان يتصف منذ الصغر بالصفات الحميدة ويتخلق بالأخلاق الكريمة ، وعلي رأسها الصدق والأمانة ، الأمر الذي دعا أهله ومعارفه إلي تسميته بالصادق الأمين .

ومن كان مفطوراً علي الأخلاق السامية يأبي عليه طبعه الحر الكريم أن يستعمل أساليب الكذب والغش والخداع والدجل مع الناس كما نري في هذه الأيام من بعض الذين دخلوا في التيار السياسي ، وأن يكون لا أخلاقياً في أقواله وأفعاله .

وقد كان e أسلوبه في نشر الدعوة الإسلامية وفي حروبه مع أعدائه :

يقوم علي الأخلاق السامية والآداب العالية وعلي رأسها : الصدق والأمانة والوفاء بالوعد والعدل والرحمة والحلم والتسامح ، ولا أدل علي حلمه وتسامحه من موقفه من كفار قريش في فتح مكة : فقد عفا عمن آذوه وحاولوا قتله واغتياله .

وبالحلم والعفو والتسامح حبب إليهم الدين الإسلامي الذي يدعوا إليه ورغبهم في اعتناقه وجعلهم يندمون علي معاداتهم له وتأخرهم عن قبول الدعوة التي يحملها وينشرها .

أما كفار مكة : فقد كانت سياستهم تقوم علي الظلم والباطل والحقد واللؤم والاضطهاد والأذى والنهب والسلب واستبعاد الآخرين واستغلال الفقير ولذلك فشلوا وخسروا واندثروا .

وهكذا كان النجاح والغلبة عاقبة سياسة الرسول e القائمة علي الأخلاق الكريمة ، وكان الفشل والهزيمة عاقبة سياسة كفار مكة وأحزابهم .

ولا شك في أن رسول الله e وسائر الرسل والأنبياء قدوة حسنة للناس جميعاً في كل زمان ومكان .

وانتقل رسول الله e إلي الرفيق العلي سبحانه وتعالي ، وخلفه في قيادة المسلمين أبو بكر الصديق رضي الله عنه .

وقد سار علي نهج رسول الله e ، وبهذا النهج القويم والخلق الكريم والسياسة الحكيمة كسب ولاء المسلمين والتفافهم حوله ، ومن الأخلاق الكريمة التي كان يتحلى بها  الخليفة أبو بكر الصديق الشجاعة والحزم والإخلاص والصلابة في الحق وقد تجلت هذه الأخلاق السامية أكثر ما تجلت في موقفه من حركة المرتدين عن الإسلام ، وقد كان المرتدون خطراً علي الدولة الإسلامية وهي ما تزال في مهدها .

ومن أخلاقه السامية التواضع ، وكسبه رزقه من عمل يده ، وزهده في المظاهر الكاذبة الفارغة ، والبساطة في حياته  وعيشته ، وديمقراطيته الفذة ، وتمسكه بالعدل والرحمة قولاً وعملاً ، ومن أقواله التي تعبر عن ديمقراطيته وعدالته وتواضعه هذه العبارات وهي من خطبة له : أيها الناس : إني وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني ، القوي فيكم ضعيف عندي حتي آخذ الحق منه ، والضعيف فيكم قوي عندي حتي آخذ الحق له إن شاء الله تعالي ، أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم .

وبهذا القدر القليل من نماذج وصور من الحياة السياسية للخليفة أبو بكر الصديق ، فحياته السياسية ساطعة مشرقة هو وغيره من الخلفاء الراشدين وممن تولي أمر الناس وأقام فيهم الحق والعدل ، حياتهم مشرقة كالشمس لا تحتاج إلي توضيح وبيان ، وبهذه الأخلاق استطاعوا أن يكسبوا ثقة الناس بهم وانضواءه تحت لوائهم واستطاعوا أن يجعلوا المجتمع العربي الإسلامي بقيادتهم الحكيمة في ظل حكم الله كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً ، ولا أدل علي صواب ونجاح السياسة التي تقوم علي الأخلاق والمبادئ من أن الشعوب في مصر والشام والعراق وشمالي أفريقيا رحبت بالجيوش العربية والإسلامية التي دخلت بلادها فاتحة ومحررة إياها من استعمار الفرس والروم .

والحرب لم تكن بين العرب المسلمين وشعوب هذه البلاد ، إنما كانت بينهم وبين دولتي الفرس والروم ، وأهم من ذلك هو أن هذه الشعوب أغلبيتها الساحقة اعتنقت الدين الإسلامي الذي حمله المسلمون الفاتحون معهم .

وتثقفت بالثقافة العربية الإسلامية وتعلمت اللغة العربية ، ومن ثم انصهرت في بوتقة العروبة والإسلام ولا غرابة في أن ينتهج العرب المسلمون الفاتحون سياسة عادلة رحيمة في البلاد التي فتحوها فهم حملة مبدأ ودين سماوي وأصحاب رسالة انسانية وليسوا غزاة مستعمرين .

وأصحاب المبادئ والرسالات تراهم دائماً متحلين بالأخلاق والآداب وفي مقدمتها العدل والرحمة ، وأما الغزاة المستعمرون فتجدهم دائماً متجردين من الأخلاق والمبادئ والقيم الإنسانية ، ولا همَّ لهم إلا تحقيق مكاسب مادية ومنافع دنيوية بأي وسيلة وأي ثمن .

وصلاح الدين الأيوبي ليس منا ببعيد كانت الأخلاق السامية والمثل العليا تتحكم في أقواله وأفعاله وسياسته ويتجلى ذلك واضحاً في معاملته لخصومه الصليبيين ، فقد كان عادلاً رحيماً معهم ، فهو لم يبطش بهم عندما انتصر عليهم كما فتكوا بالمسلمين عندما انتصروا عليهم واحتلوا القدس فقد أحدثوا فيها مجازر دامية رهيبة وسالت دماء غزيرة ، وتتجلي أخلاقه العالية وانسانيته الفذة أكثر ما تتجلي في معاملته لأشد أعدائه من الصليبين وهو ريكاردوس قلب الأسد ملك الإنجليز آنذاك ، فقد أرسل إليه طبيباً يداويه وهو مريض مع إنه جرت العادة أن يطلب المرء لعدوه اللدود المرض والهلاك .

وبهذه السياسة الرشيدة القائمة علي الأخلاق الإسلامية الكريمة والمبادئ الإنسانية العظيمة ، استطاع أن يوحد مصر والشام في دولة واحدة ، وأن يجمع صفوف معظم المسلمين للانتصار علي الصليبيين الغزاة ، كما أنه كسب احترام القريب والبعيد والصديق والعدو قديماً وحديثاً .

ونأتي إلي العصر الحديث فنري أن الاستعمار الغربي قد أصاب العالم كله ، وسياسته كما هو معروف : طابعها استعمار الشعوب الضعيفة ونهب ثرواتها وخيراتها وشعارها ( فرق تسُد ) و ( والحق للقوة ) و ( الغاية تبرر الوسيلة ) ، ويُستعمل الاستعمار الغربي أساليب الغش والخداع والدجل ، ويسلك طرق الغدر والخيانة والظلم وسفك الدماء لبلوغ أغراضه ومآربه ، وهذه الطرق والأساليب تبرأ منها الأخلاق الإسلامية الكريمة والمبادئ الإنسانية العظيمة .

وغني عن البيان أن سياسة الاستعمار الغربي لقيت وما تزال تلقي في كل مكان حلت وتحل فيه ، مقتاً واستنكاراً ومقاومة مسلحة وغير مسلحة وآلت وتئول إلي الفشل والخسارة والاندثار .

والسياسة الرشيدة الناجحة هي التي تحظي برضا الناس وتأييدهم وتخدم مصالحهم وتُصلح أحوالهم وأوضاعهم .

فمن عواقب سياسة الاستعمار الغربي الحمقاء الظالمة : مشاكل وفتن وحروب راح وقودها عشرات الملايين من الضحايا البشرية وثروات وأموال طائلة لا تعد ولا تحصي .

وأصعب المشاكل وأخطرها التي خلقتها سياسة الاستعمار الغربي مشكلة فلسطين فهي مشكلة تُشكل خطراً حقيقياً علي السلم العالمي : فإقامة اسرائيل كدولة دخيلة علي أراضي عربية أكبر جريمة أرتكبها الاستعمار الغربي ، وأفظع خطأ اقترفته السياسة الاستعمارية الغبية الهمجية ، فطرد شعب آمن من وطنه ودياره واحلال شعب دخيل محله واقامة دولة للشعب الدخيل علي أشلاء الشعب المطرود ، هدم لقوانين الحق والعدالة واهدار للقيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية .

ومن خير الأمثلة أيضاً علي بطلان السياسة التي تبتعد عن الحق والعدل : وجود فرنسا الاستعماري السابق في الجزائر ، فقد ادعت فرنسا أن الجزائر من أرضها وعملت مدة من الزمن للقضاء علي الشخصية العربية الإسلامية للجزائر وصهرها في البوتقة الفرنسية ، وماذا كانت النتيجة يا تري ؟ كانت النتيجة تبخر التزييف والتزوير وبقاء الصدق والحق ، وهلاك الباطل والافتراء واشراق الحقيقة .

وهكذا تكون الغلبة والحياة والخلود في كل زمان ومكان للحق والصدق والحقيقة ، والاندثار والفناء للباطل والزور والبهتان

ولم لا نقول أن أجهزة الإعلام والدعاية التي تتخذ الكذب والدجل والنفاق والخداع مادة لها تبوء بالفشل والاخفاق وإذا ما نجحت فإن نجاحها يكون قصيراً مؤقتاً وعلي اعتبار أن ما تقوله وتفعله هو الصدق والحقيقة والواقع ، ولا يلبث هذا النجاح المؤقت الزائف أن يتحول إلي فشل واخفاق عندما ينكشف الغطاء وتنقشع الغيوم ويبرز الحق وتسطع الحقيقة ، والواقع يطير هباء ويذهب جفاء ، والدجل والكذب كالغشاوة علي العين وكالضباب أو السحاب علي نور الشمس ، ولكن الغشاوة لا تطول ولا تلبث أن تزول فتري الحقيقة ، وسرعان ما ينقشع الضباب والسحاب فتسطع الشمس .

وثوب الكذب والنفاق شفاف لكل ذي بصر وبصيرة ، والكذب لا يمكث علي نور الصدق والحقيقة كما أن الضباب لا يبقي طويلاً علي نور الشمس .

وخلاصة ما تقدم أن السياسة الحكيمة الناجحة هي السياسة التي تقوم علي الأخلاق الإسلامية الكريمة والمبادئ الإنسانية العظيمة ، وأن السياسة المتحللة من الأخلاق ومبادئ الحق والعدل تنم عن الحمق وقِصر النظر ، وتؤدي إلي الفشل والخسارة ، وتجر إلي مشاكل وحروب ، فلا أمن ولا سلام في أي زمان ومكان إلا بالحق والعدل والأخلاق الكريمة من قِبل الناس جميعاً .
كتبه د أيمن عبد العظيم

                                  

فصل الدين عن السياسة في ميزان الشريعة


فصل الدين عن السياسة في ميزان الشريعة
من كلام الإمام شيخ الجامع الأزهر / محمد الخضر حسين(1)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ , وَالصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى أَشْرِفِ الْمُرْسَلِينَ r .
) وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ( ( الأنعام : 19)
ولخلود شريعته جعلها أبلغ الشرائع حكمة ، وأوفاها أصولاً ، وأوسعها للمصالح رعاية .
إن الذين يدعون إلي فصل الدين عن السياسة فريقان : فريق يعترفون بأن للدين أحكاماً وأصولاً تتصل بالقضاء والسياسة ، ولكنهم ينكرون أن تكون هذه الأحكام والأصول كافلة بالمصالح ، آخذة بالسياسة إلي أحسن العواقب ، ولم يبال هؤلاء أن يجهروا بالطعن في احكام الدين وأصوله ، وقبلوا أن يسميهم المسلمون ملاحدة ؛ لأنهم مقرون بأنهم لا يؤمنون بالقرآن ولا بمن نزل عليه القرآن .
ورأي فريق أن الاعتراف بأن في الدين أصولاً قضائية وأخري سياسية ، ثم الطعن في صلاحها ، إيذان بالانفصال عن الدين ، وإذا دعا المنفصل عن الدين إلي فصل الدين عن السياسة كان قصده مفضوحاً  وسعيه خائباً ، فاخترع هؤلاء طريقاً حسبوه أقرب إلي نجاحهم وهو أن يدّعوا أن الإسلام توحيد وعبادات ، ويجحدوا أن يكون في حقائقه ما له مدخل في القضاء والسياسة ، وجمعوا علي هذا ما استطاعوا من الشبه لعلهم يجدون في الناس جهالة أو غباوة ، فيتم لهم ما بيتوا .
هذان مسلكان لمن ينادي بفصل الدين عن السياسة ، وكلاهما يبتغي من أصحاب السلطان أن يضعوا للأمة الإسلامية قوانين تناقض شريعتها ، ويسلكوا بها مذاهب لا توافق ما ارتضاه الله تعالي في إصلاحها ، وكلا المسلكين وليد الافتتان بسياسة الشهوات ، وقصور النظر عما لشريعة الإسلام من حكم بالغات .
أما أن الإسلام قد جاء بأحكام وأصول قضائية ، ووضع سياسة شرعية لا ينكرها إلا من تجاهل القرآن والسنة ، ولم يحفل بسيرة الخلفاء الراشدين إذ كانوا يَزِنون الحوادث بقسطاس الشريعة ، ويرجعون عند الاختلاف إلي كتاب الله أو سنة رسوله r .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الإمام / محمد الخضر حسين  (1293هـ / 1876م ــ 1377هـ/ 1958م ) عالم جزائري تولي مشيخة الأزهر من 1952ــ 1954 ، حصل علي عضوية هيئة كبار العلماء ، واستقال من المشيخة في 7 يناير عام 1954 احتجاجاً علي إلغاء القضاء الشرعي ودمجه في القضاء المدني ، ومن مؤلفاته : الإسلام وأصول الحكم ، الحرية في الإسلام ، رسائل الإصلاح وهو من ثلاث رسائل وغيرها . 
في القرآن الكريم شواهد كثيرة علي أن دعوته تدخل في المعاملات المدنية ، وتتولي إرشاد السلطة السياسية ، قال تعالي : ) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ( (المائدة : 50)
وكل حكم يخالف شرع الله تعالي فهو من فصيلة أحكام الجاهلية ، وفي قوله تعالي : ) لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ( (المائدة : 50)  إيماء إلي غير الموقنين قد ينازعون في حسن أحكام رب البرية ، وتهوي أنفسهم تبدلها بمثل أحكام الجاهلية ؛ ذلك لأنهم في غطاء من تقليد قوم كبروا في أعينهم ، ولم يستطيعوا أن يميزوا سيئاتهم من حسناتهم ، وقال تعالي : ) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ( (المائدة : 49)
فرض في هذه الآية أن يكون فصل القضايا علي مقتضي كتاب الله ، ونبه أن من لم يدخل الإيمان في قلوبهم يبتغون من الحاكم أن يخلق أحكامه من طينة ما يوافق أهواءهم ، وأردف هذا بتحذير الحاكم من أن يفتنه أسري الشهوات عن بعض ما أنزل الله ، وفتنتهم له في أن يسمع لقولهم ، ويضع مكان حكم الله حكماً يلائم بغيتهم ، قال تعالي : ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (  (المائدة : 45)
في آية : ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ( ( المائدة : 47)
وفي آية ثالثة : ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ( ( المائدة : 44)
وفي القرآن الكريم أحكام كثيرة ليست من التوحيد ولا من العبادات ، كأحكام البيع والربا والرهن والديّن والإشهاد ، وأحكام النكاح والطلاق واللعان والولاء والظهار والحجر علي الأيتام والوصايا والمواريث ، وأحكام القصاص والدية وقطع يد السارق وجلد الزاني وقاذف المحصنات ، وجزاء الساعي في الأرض فساداً ، بل في القرآن آيات حربية فيها ما يرشد إلي وسائل الانتصار كقوله تعالي مرشداً إلي القوة المادية : ) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ( ( الأنفال : 60)
وقوله تعالي مرشداً إلي القوة المعنوية  : ) وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ( ( التوبة : 123)
وقوله تعالي منبهاً علي خطة هي من أنفع الخطط الحربية : ) قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ ( ( التوبة : 123)
والكفار هنا المحاربون ، ففي الآية إرشاد إلي أن يكون ما بينهم وبين ديارهم أمناً ، ولا يدعوا من ورائهم من يخشون منه أن ينهض إلي أموالهم وأهليهم من بعدهم ، أو يجلب عليهم بخيله ورجله ليطعن في ظهورهم وقد أقبلوا علي العدو الذي تجاوزوا إليه بوجوههم ؛ وفي الآيات الحربية ما يتعلق بالصلح كقوله تعالي : )  وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا ( ( الأنفال : 61) ، وقوله تعالي : )  حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ( ( التوبة : 29) وفيها ما يتعلق بالمعاهدات كقوله تعالي : ) وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ (( الأنفال : 58) ، وفي السنة الصحيحة أحكام مفصلة في ابواب المعاملات والجنايات إلي نحو هذا مما يدلك علي أن من يدعو إلي فصل الدين عن السياسة إنما تصور ديناً آخر وسماه الإسلام .
وفي سيرة أصحاب رسول الله r وهم أعلم الناس بمقاصد الشريعة وهو ما يدل دلالة قاطعة علي أن للدين سلطاناً علي السياسة ، فإنهم كانوا يأخذون علي الخليفة عند مبايعته شرط العمل بكتاب الله وسنة رسول الله r ولولا علمهم بان السياسة لا تنفصل عن الدين لبايعوه علي أن يسوسهم بما يراه أو يراه مجلس شوراه مصلحة ، وفي صحيح البخاري : (( كانت الأئمة يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها ، فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلي غيره اقتداء بالنبي r .
ومن شواهد هذا محاورة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب y في قتال مانعي الزكاة ، وهو ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة t قال : (( لما توفي النبي r واستخلف أبو بكر بعده ، وكفر من كفر من العرب ، قال عمر لأبي بكر ، كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله r : أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا لا إله إلا الله ؛ فمن قالها عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه ، وحسابه علي الله ؟
فقال أبو بكر : والله للأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلي رسول الله r  لقاتلتهم علي منعه .
فقال عمر : فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق )) .
فأبو بكر الذي كان يحب الشوري ويعتز بها ، ويلجأ إليها في الأمور التي لم يحفظ فيها عن رسول الله r حكم ولا رأي لم يقبل ما أشار به عمر من ترك قتال من منعوا الزكاة ؛ وأصر علي رأيه وتنفيذ فكرته ؛ وكان عزماً قوياً ، وحزماً غالباً واجتهاداً موفقاً قهر به المارقين من العرب والمتمردين علي نظام الإسلام(1) .
ومن ذلك أنه t أنشأ بالاجتهاد مبدأ ولاية العهد ؛ لكنه لم يجعله عهداً إلي أحد من أولاده ، ولم يقرره نظاماً وراثياً في ذريته ، ولا في كبار السن أو الأعيان من أهله وعشيرته ؛ بل عهد بالخلافة من بعده إلي عمر بن الخطاب y .
والذي نقوله في هذا المقام  أن ربط السياسة بالدين امر عرفه خاصة الصحابة وعامتهم ، وأن السياسة لا تجد في الدين ما يقف دون مصلحة ، ولا تجد منه ما يحمل علي إتيان مفسدة ، لا تجد فيه هذا ولا ذاك متي وزنت المصالح والمفاسد بميزان العقل الراجح ، وكان القابضون علي زمامها من حصافة الرأي في منعة من ان يطيش بهم التقليد صلاحاً فيشرعوه ، أو يروا الصلاح في لون الفساد فينصرفوا عنه وليس من شأن الدين أن يراعي فيما يشرع الأهواء الجامحة وإن كانت أهواء الملأ الذين استكبروا ، أو أهواء من في الأرض جميعاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)تكلمت في هذه المسألة بتفصيل مختصر  في كتاب ( مفهموم السياسة الشرعية بين فهم الواقع وفقه الأحكام )
 
وأقول : أنه ليس في الإسلام سلطة دينية إلا علي معني أن الحاكم ينفذ أحكام الشريعة المفصلة في الكتاب والسنة ، أو المندرجة في الأصول المأخوذة منهما .
وقاعدة الشوري التي قررها القرآن الكريم ، وجري عليها الخلفاء الراشدون كافلة بصحة الاجتهاد في الأحكام المستنبطة من الأصول ، أما النظم التي تقوم بها الشوري علي وجهها الصحيح فموكولة إلي الآراء الراجحة وما تقتضية مصالح الأمم أو العصور ، فالإسلام لم يترك السلطة التي وضعها في أيدي الحكام مطلقة عن التقيد ، وإذا استهان بها بعض الحكام بقاعدة الشوري فإن التشريع تام ، والوزر علي من لم يأخذ نفسه بما قرره الشرع العزيز .
والإسلام دين واقعي ، أدرك حاجة الإنسان إلي الرقي المادي والروحي في وقت واحد فجمع بينهما في توافق وانسجام .
وحضارة الإسلام تنطلق في كل مجال ، وتأخذ مكانها في عالم الواقع لا في أوهام الفلاسفة وخيالات المشرعين ولذلك كانت مثلاً رائعاً للحضارات علي مدي التاريخ .
ففي مجال الحياة الفردية تحفظ علي الإنسان كرامته ، وتعطيه حقه في الحرية وحرية الإسلام بميزان لا تضيق حتي تَشِلَّ الحركة وتقتل المواهب ، ولا تتسع حتي تفرط علي الناس وتطغي .
وفي مجال الحياة الاجتماعية تكافل ومواساة ، وأداء للأمانة وحكم بين الناس بالعدل .
وفي ميدان الإنسانية عامة يعلن الإسلام أن البشر جميعاً من آدم وآدم من تراب واكرم الناس عند الله أتقاهم .
وخلاصة القول في فصل الدين عن السياسة أنه قول باطل بما قررناه سابقاً .
والحمد لله رب العالمين
 كتبه د أيمن عبد العظيم

المَلَل من كَواذب الأخلاق

جاء في "صحيح ابن حبان" عن عـائـشـة -رضي الله عنها- تصف خلقاً من أخلاق الرسول -صلى الله عليه وسلم-   قالت :"كــان عـمـلـه...